فصل: مسألة اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة بتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق:

ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته:
وسألت ابن القاسم عن الرجل يبتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق، قال: هو من المبتاع بالقيمة، وهو مثل ما لو اشترط عليه أنه إن مات في عهدة السنة فهو منك، فهو من المبتاع، قلت له: فلو أعتقه المبتاع؟ قال: إذا فات في يديه بوجه من وجوه الفوت كانت فيه القيمة. قلت: فإن كان العبد معروفا بالإباق أو لم يكن معروفا هو عندك سواء؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه بيع فاسد بما شرط من ذلك يجب فسخه، فإن فات بعد القبض بوجه من وجوه الفوت لزمه بقيمته يوم القبض، وستأتي هذه المسألة في رسم الجواب كاملة. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق بنصفه ثم يعثر على العيب:

وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق بنصفه ثم يعثر على العيب، قال: يرجع بقيمة العيب كله إذا لم يدخله من الفوت في نقصان جسده أكثر من الصدقة، ويكون البائع مخيرا في أن يعطيه قيمة العيب كله ويمضي البيع، وفي أن يعطيه نصف قيمة العيب ويسترد النصف الذي بقي في يد المشتري بنصف الثمن. قلت: ولا يكون المشتري مخيرا في هذا النصف الذي بقي في يديه بين أن يرده ويأخذ قيمة نصف العبد الذي تصدق به وبين أن يمسكه ويرجع بجميع قيمة العيب إذا دخله الفوت بهذه الصدقة؟ قال: لا يكون في هذا مخيرا، وإنما يكون الخيار فيه للبائع؛ لأنه يقول: إما أن ترد على جميعه، وإما أن تمسك الذي بقي في يديك وأنا أرد عليك ثمن العيب؛ لأني لا أرضى أن يرجع إلي نصف عبد وقد بعته تاما، ولم أكن أرضى أن يكون لي فيه شريك، فإنما الخيار في هذا إلى البائع إن شاء أسلم إليه جميعه وغرم ثمن العيب كله، وإن شاء أخذ النصف الذي بقي في يده وغرم نصف قيمة العيب، ولو في ذلك مخير؛ ألا ترى أنه لولا الصدقة التي دخلته لم يكن للمبتاع إلا أن يرده أو يمسك ولا شيء له في العيب إذا لم يدخله النقصان في بدن، ولو كان دخله مع الصدقة نقصان في بدن لم يكن في ذلك للبائع خيار ولزمه غرم قيمة العيب، وقد قال: لا أرى له خيارا، وكان مما احتج به فيه أن قال: إذا رد هذا النصف الذي بقي في يديه حتى صار أفضل منه كله قال: أنا آخذه وأرد نصف قيمة العيب في النصف الفائت بالصدقة، وإذا نقص قال: لا أرضى أن آخذه معيبا وأرد العيب كله، فلا أرى أن يكون الحكم فيه إلا واحدا، فعليه أن يرد نصف قيمة العيب للنصف المتصدق به فقط.
قال محمد بن رشد: أما النصف الذي فات بالصدقة فقد وجب على البائع أن يرد له نصف قيمة العيب لا كلام في ذلك، وأما النصف الذي بقي في يد المشتري لم يتصدق به ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البائع فيه مخير بين أن يسترده بنصف الثمن، وبين أن يتركه ويرد قيمة نصف العيب الثاني، وهو قوله في المدونة وأول قوله ههنا، والثاني: أنه لا خيار له في أخذه ويلزمه رد جميع قيمة العيب، وهو الذي يدر عليه قوله في أول كلامه، وقد قال: لا أرى خيارا يريد في أخذه، ويلزمه أن يرد جميع قيمة العيب؛ والثالث: أنه لا خيار له في تركه، ويلزمه أن يسترده بنصف الثمن، ويغرم نصف قيمة العيب للنصف الذي تصدق به فقط، وهو ظاهر قوله في آخر كلامه. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، ولا خيار للمبتاع في قول من الأقوال، والله ولي التوفيق.

.مسألة يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به ثم يبيع نصفه:

قال: ولو باع نصفه فقط، ثم ظهر على العيب فإنه إن رجع عليه بشيء فيما باع رجع بجميع قيمة العيب، وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي بقي في يديه، بمنزلة ما لو تصدق بنصفه وباع نصفه لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي تصدق به، ولم يرجع في النصف الآخر بشيء، إلا أن يرجع عليه.
قلت: فلو كان باع نصفه وتصدق بنصفه؟ قال: يرجع بنصف قيمة العيب الذي تصدق به، ولا يرجع فيما باع بقليل ولا كثير إلا أن يرجع عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا باع نصفه إنه إن رجع عليه بشيء فيما باع رجع بجميع قيمة العيب، يريد بجميع قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به بالغا ما بلغ، وإن كان ذلك أكثر مما رجع به عليه وأكثر من بقية رأس ماله.
هذا ظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه أو من بقية العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه، أو من بقية رأس ماله، وهو اختيار ابن المواز وأحد قولي ابن القاسم في كتابه، مثال ذلك أن يشتري العبد بمائة وبه عيب لم يعلم به، وقيمته من الثمن الذي اشتراه به يوم اشتراه فيه ثلاثة دنانير، فيبيعه بتسعة وتسعين، ويفوت عند المشتري فيطلع على العيب وقيمته من الثمن الذي اشتراه به في الوقت الذي اشتراه فيه ديناران، فيرجع عليه بالدينارين، فإنه يرجع على رواية عيسى على الذي باعه العبد بجميع قيمة العيب من ثمنه وذلك ثلاثة دنانير؛ ويرجع عليه في القول الثاني بالدينارين اللذين رجع بهما عليه لا أكثر، ويرجع عليه في القول الثالث الذي هو اختيار ابن المواز بدينار واحد؛ لأنه بقية رأس ماله وهو أقل الثلاثة الأشياء.
وقوله: وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي بقي في يديه، يريد على أحد الثلاثة الأقوال التي ذكرناها في المسألة التي قبل هذه، وعلى القول الثاني فيها يكون البائع مخيرا بين أن يسترد النصف الباقي في يده بنصف الثمن وبين أن يرد نصف قيمة العيب، وعلى القول الثالث فيها يلزمه أن يسترد النصف الباقي في يدي المشتري بنصف الثمن ولا خيار في ذلك لواحد منهما ومذهب أشهب، وهو اختيار ابن حبيب، أنه إن باع بأقل من الثمن الذي اشترى به قبل أن يعلم بالعيب رجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو من بقية رأس ماله، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه:

قلت: أرأيت الذي يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري، ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه من المشتري، ثم عثر على ذلك العيب، قال: مشتريه من المشتري مخير بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب الذي حدث عنده به، وبين أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب.
قلت: أرأيت إن اختار حبسه ورجع على مشتريه بقيمة العيب ثم يرجع هذا الذي رجع عليه على بائعه الأول؟ ينظر إلى قيمته صحيحا يوم باعه ثم ينظر إلى قيمته يوم باعه وبه ذلك العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ذلك اليوم خمسين دينارا وقيمته معيبا ذلك اليوم أربعين دينارا فبين القيمتين عشرة، فعشرة من خمسين خمسها، فيرجع على بائعه الأول بخمس الثمن قل الثمن أو كثر، على حساب هذا يرجع عليه في الثمن، ولا ينظر فيما بين هذا الأوسط وبين بائعه الأول إلى هذا الثمن الذي باعه به هذا الأوسط، وكذلك يرجع هذا الآخر أيضا على هذا الأوسط ينظر إلى قيمته صحيحا يوم باعه هذا الأوسط من هذا الآخر وإلى قيمته يومئذ وبه هذا العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ستين وقيمته معيبا خمسين، فبينهما عشرة فهي من الستين سدسها، فالآخر يرجع على الأوسط بسدس الثمن الذي ابتاعه به منه بالغا ما بلغ قل الثمن أو كثر، وإن اختار المشتري الآخر أن يرده ويرد ما نقصه العيب عنده كان ذلك له، وكان هذا الأوسط أيضا مخيرا بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب على ما وصفت لك.
قال محمد بن رشد: قد مضى في المسألة التي قبل هذه تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة وأن له فيها ثلاثة أقوال قد بيناها وشرحناها فلا معنى لإعادة ذكرها وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا:

قال ابن القاسم: ولم ير مالك هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا يرد معها مبتاعها قيمة الهزال إذا وجد به عيبا يرد به؛ لأن العبد النبيل التاجر قيمته مهزولا وقيمته سمينا واحدة، فكذلك الدابة على ما ذكرت لك من أمر العبد إذا سمنت عنده ثم وجد بها عيبا دلسه البائع أو لم يدلسه فهو مخير إن شاء ردها وأخذ الثمن الذي ابتاعها به ولا شيء له في زيادتها، وإن شاء أمسكها ولا شيء له في العيب، وأما إذا نقصت بعجف أو دبر أو نقصان بدن فإنه يقال له: إن شئت فردها ورد ما نقصها العجف أو العيب الذي أصابها عندك وخذ الثمن، وإن شئت فأمسك وخذ قيمة العيب الذي وجدت بها، والتدليس وغير التدليس في ذلك سواء.
قال محمد بن رشد: أما هزال الذكور من الرقيق وسمنهم فلا اختلاف في أن ذلك ليس بفوت، وأما سمن الجواري منهن وعجفهن فلم يختلف قول مالك وابن القاسم في أن ذلك ليس بفوت، ورأى ذلك ابن حبيب فوتا، يكون بذلك مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويأخذ قيمة العيب.
واختلف قول مالك في سمن الدواب، فمرة رآه فوتا يكون المبتاع فيه مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ومرة لم يره فوتا، وقال: إنه ليس له إلا الرد، واختيار ابن القاسم أن ذلك فوت، وقع ذلك له في رسم أوصى بعد هذا، ولم يختلفوا في هزال الدواب أنه فوت يكون به مخيرا بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، وبين أن يرد ويرد ما نقصه الهزال، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه:

ومن كتاب العرية:
قال ابن القاسم: من عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه، قال: يقوم على قدر ما نقص منه الخصاء.
قال محمد بن رشد: يريد إن لم يرد تضمينه واختار حبسه، ومعنى قوله: على قدر ما نقص منه الخصاء، أي ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم في الخصيان.
وقال سحنون: معناه أن ينظر إلى عبد دنيء ينقص من مثله الخصاء فما نقص منه كان على الجاني في هذا المجني عليه ذلك الجزء من قيمته، وقد تأول بعض الناس ما وقع لمالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، من كتاب الجراحات إن المعنى في ذلك أن ينظر إلى، ما تقع الزيادة من قيمته فيجعل ذلك نقصانا منها يكون عليه غرمه، وذلك بعيد لا وجه له في النظر، والذي يوجبه النظر أن يكون عليه إن خصاه فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته، وإن قطعهما جميعا فتبعته فكما يكون عليه في الحر إذا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياسا على قول مالك في المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة أنه يكون عليه في ذلك من قيمته بحساب الحر من ديته.
وابن عبدوس يقول: إن زاده الخصاء فلا غرم على الجاني، ولا يصح ذلك على المذهب، وإنما يأتي على قياس قول من يقول: إنه لا شيء عليه في المأمومة والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد البرء، والله سبحانه ولي التوفيق.

.مسألة العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة:

ومن كتاب أوصى لمكاتبه:
وسئل ابن القاسم: عن العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة، أيرده بذلك؟ قال: نعم يرده بكل ما أحدث أو أصابه في عهدة الثلاث.
قيل له: وكذلك الجارية تحدث شرب خمر في أيام الحيضة أو تزني أو نحو ذلك؟ قال: نعم هي في ذلك مثل العبد فيما أحدثته في حيضتها من هذه الوجوه فإنه يردها بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب؛ لأن عهدة الثلاث من كل شيء، فلا فرق فيما يحدث فيها في الأبدان وفي الأديان أو في الأخلاق، إلا أن يتبرأ البائع بشيء من ذلك أنه فعله قبل البيع فبرئ منه، وإن أحدث مثله في العهدة أو بعدها.
وفرق أصبغ في ذلك بين الإباق والسرقة وبين الزنى وشرب الخمر فيما أحدثه العبد أو الأمة في الثلاث وفي الإستبراء.
قال فضل: وقول أصبغ على رواية أشهب وابن نافع عن مالك في الذي يبيع العبد ويتبرأ من الإباق ثم يأبق في عهدة الثلاث، وجعل السرقة مثله؛ لأنه لا يدري ما يؤول إليه من ذهاب الجسد. وبالله التوفيق.

.مسألة السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها عيبا:

قال ابن القاسم: أرى السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها عيبا يمسكها إن شاء ويأخذ قيمة العيب وهو قول مالك، وقد قال: ليس بفوت، وأحب قوليه إلي أن يكون فوتا.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في آخر رسم استأذن من هذا السماع، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل: عمن باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا، فلما مضت الثلاث أوجب له البيع، أتكون العهدة في أيام الخيار أم عهدة مبتدأة؟ قال: لابد من العهدة ثلاثة أيام مبتدأة.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب في أن بيع الخيار إذا أمضي فإنما يقع يوم أمضي، ويأتي على ما وقع في كتاب الشفعة من المدونة من أنه إذا أمضى على العقد فكأنه وقع حينئذ في قوله في الذي يشتري شقصا بخيار ثم يباع الشقص الآخر ببيع بت فيختار الشراء إن الشفعة تكون له في الشقص المبيع بيع بت وإن العهدة تكون في أيام الخيار.

.مسألة سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك:

وسئل: عمن سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك، فأتى رجل إلى صاحبه بغير علم من المشتري، فقال له: لم منعت فلانا غلامك وهو رجل لا بأس به يقع في ملك رجل حسن الملكة بعه منه بما أعطاك وأنا أعطيك عشرين دينارا، ففعل، فعلم بذلك المشتري بعد ذلك فأراد رده، هل تراه عيبا؟ قال: ليس هذا بعيب إلا أن يكون اشتراه على العتق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا اشتراه للعتق فقد أعان فيه الرجل بعشرين دينارا، فمن حق المشتري أن يقول: لا أريد أن أعتق عبدا يعينني أحد في ثمنه بشيء، فإن علم بذلك قبل أن يعتقه كان له أن يرده، وإن لم يعلم بذلك حتى أعتقه ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا لمالك وابن هرمز جميعا أن ذلك عيب من العيوب يرجع به المشتري على البائع فيأخذه من الثمن ولم يبينا وجه ذلك.
قال ابن القاسم: وتعبيره أن ينظركم ثمنه بغير شرط العتق، وكم ثمنه لو شرط فيه العتق، فينظركم بين القيمتين، فإن كان ذلك ربعا أو خمسا أو سدسا رجع إلى الثمن فأخذ بقدر ذلك من البائع، بمنزلة ما لو باعه وعليه دين أو له امرأة أو ولد أو به عيب، وهو تفسير لا وجه له بوجه، وإنما الذي يصح في ذلك ولا يجوز غيره أن ينظر ما تقع العشرون دينارا التي زادها الرجل من جميع الثمن الذي باعه به البائع وهو مائة وعشرون، فوجدنا ذلك السدس فيرجع المبتاع على البائع بسدس المائة التي دفع إليه؛ لأن الذي زاد العشرين قد شاركه في العبد الذي أعتق بسدسه إذ ودى سدس الثمن إلى البائع ولم يعلم بذلك، فصار بمنزلة من اشترى عبدا فأعتقه ثم استحق سدسه بحرية فإنه يرجع على البائع بسدس الثمن الذي دفع إليه، ولو اشتراه على غير العتق لم يكن له في ذلك حجة كما قال، إذ لم يستحق عليه من رقبة العبد شيئا ولا أضر به ما زاد البائع لرغبته في أن يقع العبد عنده لما رجاه له من الخير لحسن ملكته، إذا اشتراه للعتق، وأما إن لم يشتره بشرط العتق فليس له أن يرده إذا علم بما زاد الرجل البائع، ولا يصدق في أنه اشتراه للعتق؛ لأنه يتهم على أنه ندم في شرائه فادعى أنه اشتراه للعتق ليرده على البائع، وأما إذا لم يعلم بذلك حتى أعتقه فيصدق أنه إنما اشتراه للعتق، بما ظهر من عتقه إياه، ويكون له الرجوع على البائع بما وصفناه. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا:

وقال في رجل اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا، فأتى بها يردها ويريد الخصومة فيها، فقال البائع الأول للمشتري الثاني: أنا أقيلك فيها فرضي وكان البائع الأول باعها بستين، واشتراها الثاني بثمانين، كم يكون له على البائع الأول الذي قال له أنا أقيلك؟ قال: زعم مالك أنه ليس له إلا ستون، قيل لابن القاسم: أفيرجع على البائع الثاني ببقية ماله؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا كان المشتري قد علم أن البائع الأول كان باعها بستين؛ لأنه إذا علم بذلك فقد رضي أن يأخذ منه الستين، ولو لم يعلم بذلك وعلم هو أنه اشتراها بثمانين للزمه أن يدفع إليه الثمانين، ولو لم يعلم هو بذلك أيضا، وقال: ظننت أنها بستين كما بعتها أنا لحلف على ذلك ولم يلزمه إلا الستون، فإن أراد البائع الثاني أن يدفع إليه بقية ماله لزمته الإقالة، وإن أبى من ذلك انفسخت الإقالة وكان على خصومته معه، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها:

ومن كتاب لم يدرك من صلاة الأمام إلا الجلوس:
قال: وقال مالك في رجل اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها، فقال البائع للمشتري: احلف أنك لم تره، قال مالك: ليس ذلك عليه، وقال: يبيع ولا يبين ويقول: احلف ليس ذلك عليه.
قال محمد بن أحمد: هذا مثل ما في المدونة أنه ليس له أن يحلفه إذا لم يدع أنه أراه إياه.
قال محمد: أو أنه قد أقر عنده أنه قد رآه إلا أن يدعي أنه قد بلغه أنه رآه ورضيه أو أن مخبرا أخبره بذلك، فإن ادعى ذلك كان له أن يحلفه.
قال ابن القاسم في العشرة بعد أن يحلف هو على ذلك، وقد مضى هذا المعنى بزيادة عليه في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ومعنى هذا إذا كان الشعر الذي وجد في عينها مما قد يخفى عند التقليب، وأما إن كان ظاهرا لا يخفى فلا قيام له به عليه على ما قال في المدونة وبالله التوفيق.

.مسألة أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة ثمن:

وقال في رجل أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة ثمنا، فقال علي المشي إلى بيت الله إن باعه بذلك، فأتاه قوم فقالوا له: اكتب علينا عشرين دينارا نغرمها لك ولا تمنعه العتق، ففعل، فكتبوها هم على الغلام، فاشترى المشتري وهو لا يعلم فأعتقه ثم ظهر على ذلك، فقال: إن كان البائع قد علم أنها للذين تحملوا بها على الغلام سقطت عن الحميلين وعن الغلام، فإن لم يعلم بذلك وإنما ظن أنهم تحملوا بها في أموالهم كان ذلك له على الحملاء، وكان ذلك للحملاء على الغلام، ورجع مشتري الغلام على البائع بثمن عيب الدين الذي عليه، وهو وجه ما سمعته.
قال محمد بن رشد: أما إذا كتبوا العشرين دينارا على الغلام بعلم المشتري فهو عيب قد دخل عليه لا حجة له فيه، وسواء علم بذلك السيد أو لم يعلم، وأما إن لم يعلم المشتري بذلك وعلم به السيد فآل الأمر إلى أنها للسيد على العبد؛ لأنهم إنما كتبوها عليه ليأخذوها منه ويدفعوها إلى السيد بما التزموا له، فقوله: إنها تسقط عن الحميلين وعن الغلام نحوه في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي نوازل أصبغ منه. مسألة التحري، وذلك كله خلاف قوله في كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده وله عليه دين أنه لا يسقط عنه، وهو عيب بالعبد إن شاء أمسكه، وإن شاء رده، إلا أن يسقط عنه السيد دينه.
وعلى هذا الأصل كان الشيوخ يختلفون في الذي يبيع داره ومطمر مرحاضها مملوء رحاضة ولا يتبرأ بذلك إلى المبتاع، فمنهم من كان يقول: هو عيب في الدار إن شاء المشتري أمسك وإن شاء رد على حكم العيوب قياسا على مسألة كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده وله عليه دين، ومنهم من كان يقول: ليس ذلك بعيب في الدار، ويلزم البائع أن يخلي له المطمر قياسا على سائر المسائل المذكورة، وهو الأظهر، بمنزلة أللو كان له زبل في بيت من بيوت الدار.
وأما إذا لم يعلم بذلك المشتري ولا السيد، فقال: إنها تثبت لهم على الغلام ويكون عيبا فيه يرجع المشتري بقيمته على البائع إذ قد فات بالعتق، وكان القياس أن تثبت على الحملاء للسيد وتبطل عن الغلام، إذ ليس لهم أن يعيبوا عبده بدين يكتبونه عليه بغير إذنه، فانظر في ذلك، وقد قيل: إنها تسقط عن الغلام على كل حال ويكون البيع فاسدا إن وقع ذلك بعلم المشتري. وبالله التوفيق.

.مسألة أنكر أن يكون باعه بماله وقال المشتري اشتريته بماله:

قلت: فإن أنكر أن يكون باعه بماله، وقال المشتري اشتريته بماله، قال: القول قول البائع إلا أن يكون للمشتري بينة، قلت: فإن أقام المشتري بينة أنه أرسل إليه رسولا سامه فيه فقال له: إنما يشتريه لما في يديه وإنما يريد عتقه ويريد أن يستغني بماله عن الناس، فسكت البائع وباع على ذلك ولم يقل نعم ولا لا، قال: المال تبع للعبد إذا قال له مثل هذا فسكت وباع على ذلك.
قال. محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» فإذا قال له المبتاع: إنه اشتراه بماله فهو مدع على البائع في اشتراط المال، وقد حكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
وأما إذا قال المساوم إنما يشتريه لماله وليعتقه ويستغني فسكت وباع، فجعل سكوته على قوله رضي ببيعه إياه بماله، وقد روى أشهب عن مالك أن المال للبائع ولا شيء للمشتري فيه، وهذا على اختلافهم في السكوت هل هو كالإقرار أم لا، وهو اختلاف معلوم مشهور موجود في المدونة وغيرها. وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا يرد بمثله:

وسئل: عن رجل ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا يرد بمثله، قال: المشتري ضامن للجناية إن شاء حملها ورد الغلام، وإن شاء أمسك الغلام وأخذ قيمة العيب الذي وجد به.
قال محمد بن رشد: قوله: المشتري ضامن للجناية معناه أن ما فداه به إن فداه ولم يسلمه بجنايته لا رجوع له به على البائع؛ لأنه يلزمه أن يضمن جنايته للمجني عليه، وقوله: إن شاء حملها ورد الغلام وإن شاء أمسك الغلام وأخذ قيمة العيب معناه إن شاء رد الغلام ولم يرجع بشيء مما فداه به، وإن شاء أمسكه وأخذ قيمة العيب، وسواء كانت الجناية خطأ أو عمدا على ما ذهب إليه ابن حبيب في قوله: إن العبد إذا زنى أو شرب أو سرق فوجد به المبتاع عيبا أنه ليس عليه أن يرد معه ما نقصه عيب الزنى والسرقة والشرب، بخلاف عيوب البدن، وأما على معنى ما في المدونة إذ لم يفرق في ذلك بين عيوب البدن والأخلاق، وقال: إنه يرد معها ما نقصها عيب النكاح، وإن لم يكن لذلك في البدن تأثير فإنما يكون له أن يرده إذا حمل الجناية خطأ، وأما إن كانت عمدا فلا يرده وإن حمل الجناية عنه حتى يرد معه ما نقصه عيبها فظاهر هذه الرواية يحملها على عمومها في العمد والخطأ مثل ما ذهب إليه ابن حبيب في الواضحة خلاف ما يحمل عليه ما في المدونة. وبالله التوفيق.

.مسألة اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام:

قيل له: فإن اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام؟ قال: يرده ولا شيء عليه من الجناية.
صفحة البداية الفهرس << السابق 232  من  553 التالى >>